هل يمكنك تصديق أن شركة متخصصة في الذكاء الاصطناعي وتحليل البيانات تحولت إلى أكبر حامل لعملة البيتكوين في العالم من بين الشركات، حيث تمتلك منه أكثر من 16 مليار دولار، بقيمة تزيد عن الحكومة الأمريكية نفسها؟ كل ذلك تحقق خلال أربع سنوات فقط!
قد يبدو الأمر غير واقعي، لكنه حقيقة فعلية، والشركة التي تقف وراء هذه الخطوة الجريئة هي MicroStrategy. في هذا المقال، سنتعمق في قصة MicroStrategy، وكيفية تحولها إلى واحدة من أبرز المستثمرين في البيتكوين، وكيف جمعت هذا الكم الهائل من العملة، وما الذي تطمح إليه لمستقبل العملات الرقمية.
من هي MicroStrategy؟
تأسست MicroStrategy في عام 1989 كشركة رائدة في مجال الذكاء الاصطناعي وتحليل البيانات. ومع ذلك، بدأت الأضواء تتوجه نحو الشركة في عام 2020 بعد دخولها الجرئ إلى عالم البيتكوين. ففي أغسطس من العام نفسه، أظهرت وثائق الشركة المقدمة للجنة الأوراق المالية أنها استخدمت 250 مليون دولار من خزينتها لشراء حوالي 21,504 بيتكوين، والتي تبلغ قيمتها الآن حوالي مليار دولار. رأى مايكل سايلور، المدير التنفيذي للشركة حينها، أن البيتكوين يشكل تحوطًا معقولاً ضد التضخم ويعكس استراتيجية لتخصيص رأس المال بهدف تعظيم القيمة على المدى الطويل للمساهمين.
منذ تلك اللحظة، تضاعفت حيازات MicroStrategy من البيتكوين لتصل إلى 252,220 بيتكوين بحلول سبتمبر 2024، أي أكثر من 10 أضعاف ما بدأت به. وقد قفزت قيمة أسهم الشركة بأكثر من 10 أضعاف، لتتجاوز بذلك أداء البيتكوين نفسه وحتى عملاق تطوير معالجات الذكاء الاصطناعي Nvidia.
لماذا البيتكوين؟
في عام 2020، ورغم المخاطر المحتملة، قرر مايكل سايلور الاستثمار بشكل ضخم في البيتكوين. خلال جائحة كورونا، ومع ارتفاع طباعة النقود بشكل غير مسبوق، أدرك سايلور الحاجة الملحة لحماية احتياطي الشركة النقدي من التضخم المتوقع. في نظره، كانت البيتكوين بمثابة “ذهب رقمي” يتميز بصلابة وذكاء يفوقان جميع أشكال النقود السابقة. هذا القرار الحاسم حول MicroStrategy من مجرد شركة في مجال تحليل البيانات إلى أكبر حامل لعملة البيتكوين بين الشركات في العالم.
وتجاوز سايلور ذلك بموقفه التصعيدي تجاه الدولار، حيث سعى لاستغلال موقع الشركة في البيتكوين كأداة لتقليل الاعتماد على العملة التقليدية وتحقيق أرباح طويلة الأجل.
كيف تنفذ MicroStrategy استراتيجيتها؟
تقوم شركة MicroStrategy بشراء البيتكوين بطريقة ذكية تساعدها على امتلاك المزيد دون التأثير على ميزانيتها النقدية. بدلاً من إنفاق أموالها الخاصة مباشرة، تقوم الشركة بجمع الأموال من خلال إصدار “سندات قابلة للتحويل”، وهي نوع من القروض التي تمنح المستثمرين فرصة لتحويل السندات إلى أسهم مستقبلية في الشركة. هذا يعني أن الشركة تحصل على الأموال اللازمة لشراء البيتكوين، بينما يدفع المستثمرون فائدة منخفضة على السندات ويحتفظون بإمكانية تحويل استثماراتهم إلى أسهم لاحقًا إذا ارتفع سعر السهم.
هذا الأسلوب يساعد MicroStrategy على تجنب الضغط على ميزانيتها ويتيح لها استخدام الأموال المكتسبة من السندات لشراء البيتكوين، مع الاحتفاظ بالسيولة اللازمة لتغطية نفقاتها الأخرى. وبفضل هذه الاستراتيجية الذكية، لا تحتاج الشركة إلى بيع البيتكوين في حالة تراجع السعر، مما يقلل من المخاطر التي قد تتعرض لها،
حيث أظهرت الأبحاث الحديثة أن بنية الديون الخاصة بـ MicroStrategy في وضع صحي وغير مهدد بشكل كبير. مما يظهر أن استراتيجية الشركة مبنية على قرارات مدروسة وليست ردود أفعال عشوائية.
هل تمتلك MicroStrategy كمية كبيرة جداً من البيتكوين؟
مع امتلاك MicroStrategy حوالي 1.2% من إجمالي البيتكوين المتاح عالميًا، قد يخشى البعض من تأثير ذلك على السوق. لكن هناك سببين للقول بأن الشركة لا تمثل تهديدًا كبيرًا؛ أولاً، لأن قادتها لا يزالون متفائلين على المدى الطويل بالبيتكوين، وثانيًا، لأنهم في وضع مالي جيد يمكّنهم من الاستمرار في الاحتفاظ بالأصول حتى في حال تراجع السعر.
في عام 2022، انخفضت قيمة حيازات الشركة من البيتكوين بنحو 50%، لكن MicroStrategy بقيت ثابتة في موقفها، مما يعكس إيمانًا قويًا بقيمة البيتكوين على المدى الطويل. ويمكننا أن نستنتج من هذا أن الشركة لا تعتبر معرضة لخطر التصفية.
الاستثمار في MicroStrategy أم البيتكوين مباشرة؟
عند المقارنة بين شراء أسهم MicroStrategy والاستثمار في البيتكوين بشكل مباشر، نجد أن لكل منهما مميزاته. تتيح أسهم MicroStrategy للمستثمرين الحصول على تعرض للبيتكوين مع بعض التسهيلات المالية الإضافية، بينما يمنح امتلاك البيتكوين بشكل مباشر المستثمرين التحكم الكامل في أصولهم دون الحاجة إلى طرف ثالث. كما أن امتلاك البيتكوين شخصيًا يوفر حرية مالية أكبر ويجعل المستثمر محصنًا من قيود الشركات أو القوانين.
نظرة مستقبلية
أعلنت MicroStrategy في أحدث تقارير أرباحها عن خطة لزيادة حيازاتها من البيتكوين بقيمة تصل إلى 42 مليار دولار خلال السنوات الثلاث المقبلة. تواصل الشركة اعتبار البيتكوين “ذهبًا رقميًا” وترى أن قيمته ستستمر في الارتفاع مع زيادة الاعتماد على التكنولوجيا.
باختصار، قصة MicroStrategy ليست مجرد قصة استثمار، بل هي درس في الإيمان القوي بالبيتكوين والاستراتيجية طويلة الأمد.
